Rabu, 23 April 2014

النظرية التصورية

النظرية التصورية

المبحث الأول
المقدمة

الحمد لله العزيز الحكيم، الرَؤوف الرّحيم، الـهادى إلى الصّواب و صراط الـمستقيم. ولا حول ولاقؤة إلاّ بالله العلىّ العظيم. أشهد أن لآ اله إلاّ الله وحده لاشريك له، شهادة تقوم ببعض ما يجب علينا لسوابغ نعمه. وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا وقرّة أعيوننا محمّد صفوة الصّفوة، الـمرسل للنّاس كافة بشيرا ونذيرا بين يدى السّاعة. اللّهمّ صـلّى وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الطـيّبين الطّاهرين، وعلى كلّ من إهتدى بـهداية الـمبارك ومنهج منهجه القويم، وسلك صراطه الـمستقيم. آمين يا ربّ العالمين.
قد ركزت المناهج اللغوية فى دراسة المعنى مند وقت مبكر، إما على المعنى المعجمى أو دراسة معنى الكلمات المفردة بإعتبارها الواحدة الأساسية لكل من النحو والسيمانتيك. وكانت قد قدمت بـهذا الخصوص مناهج ونظريات متعددة ومتنوّعة، بل نكتفى هنا بالتركيز على بعضها لأهمّيته، آلا وهى الكشف عن النظرية التصوريّة. أي إحدى من مناهج دراسة المعنى بجانب النظرية الإشاريّة والسلوكيّة والسياق والحقول الدلالية والتحليلية وما إلى ذلك.
فقضايا الآن، فى هذه المقالة القصيرة كتبنا عن تعريف التصورات والنظرية التصوريّة وما يتعلق بـها. إنطلاقا من بيان السّابق، يقدم الأسئلة التآلية:
1.   كيف المفهوم من التصورات والنظرية التصوريّة؟
2.   كيف المزايا والنقائص للنظرية التصوريّة؟
و الأهداف التى يرمى إليها البحث من هذه المقالة كما يلي:
1.   الكشف عن المفهوم من التصورات والنظرية التصوريّة.
2.   الكشف عن المزايا والنقائص للنظرية التصوريّة.


المبحث الثانى
النظرية التصوريّة

‌أ.    تعريف التصورات والنظرية التصوريّة

الرؤية التى كنا ننقدها تربط بين الكلمات والأشياء على نحو مباشر. وهناك رؤية تبدو لأول وهلة أكثر تكلفا وأكثر قبولا، وهى التى تربط بينهما من خلال توسط مفاهىم العقل. هذه الرؤية يعرضها بكل عناصرها بعض الفلاسفة واللغويين منذ عصور قديمة حتى وقتنا الحالى. ومن الروايات المشهورة نظرية (العلامة Sign) عند دي سوسير، و (مثلث العلامات semiotic triangel) عند أوجدن ورينشاردز.
ومن المعلوم، كان المقصود فى التطبيق هو بأن للكلمة معنى. ومعرفة معنى الكلمة يعنى أننا نستطيع أن نقوم بعدد من الأشياء، نستطيع أن نستخدمها على نحو دقيق، نستطيع نشرحها للآخرين عن طريق وإعادة الصياغات أو عن طريقة المترادفات. لكنّ هذا لا ينتج عنه وجود كيان هو المعنى أو مجموعة من الكيانات هى معنى الكلمات. وأن تعنى الكلمة شيئا فهذا شبيه إلى حد ما بفكرة أن لا فتة فى الطريق تسير إلى مكان ما، إننا نستطيع أن نفهم معنى الكلمة على نحو تام مثلما نستطيع أن نقرأ للافتة. لكن من غير المعقول أن نسأل ما هذا الذى تعنيه الكلمات، إلا أن نسأل ما هذا الذى تشير إليه اللافتات.[1]
وبنسبة إلى اللغويّ الحديث، هناك نظريات متعددة إهتمّت بدراسة المعنى، ومنها: النظرية الإشارية والنظرية التصورية والنظرية السلوكية ونظرية السياق ونظرية المجالات الدلالية، ونكتفى هنا بإلقاء الضوء على إحدى من هذه النظريات تعد من أهم نظريات دراسة المعنى،[2] آلا وهى النظرية التصورية.
وترجع فكرة النظرية التصوريّة إلى اللغويّ أو الفيلسوف الإنجليزى أي "جون لوك" (John Locke)، وقد قال: "إستعمال الكلمات يجب أن يكون الإشارة الحساسة إلى الأفكار، والأفكار التى تمثلهـا تعد مغزاها المباشر الخاص". وتتخلص هذه النظرية على أنّ اللغة هى وسيلة أو أداة لتوصيل الأفكار ونقلها من شخص إلى آخر، إذْ بمعنى أن اللغة تعد تمثيلاً خارجيا (أصوات فى صورة ألفاظ) ومعنويا لحالة داخلية فى ذهن المتكلّم أي الأفكار، لأنّ الأفكار فى ذهن المرء لـها وجود مستقل تمامًا عن اللغة كما أنّ وظيفتها مستقلة تمامًا عن اللغة. ويؤكّد أصحاب هذه النظرية ذلك بأنّ قالوا: إنّ قيمة اللغة فى نقلها أفكار المتكلّم إلى السّامع أو السامعين، ولولا أنّ المتكلّم يشعر بالحاجة إلى نقل الأفكار إلى غيره ممن حوله لما كان للغة أية قيمة، ولكنّ الإستغناء عنها جملة وتفصيلا هو الأجدى والأولى.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذه النظرية تقتضى أن يكون لكلّ معنى فكرة، وأنّ هذه الفكرة لابد أن تكون حاضرة فى ذهن المتكلّم، وأنّ المتكلّم عليه أن يعبّر عن تلك الفكرة بصورة لغوية (صوتية لفظية) يدرك بـها السامع هذه الفكرة كما هى فى ذهن المتكلّم، لكى تستدعى هذه الصورة اللغوية الفكرة نفسها عند السامع. لأنّ طبيعة المعنى في النظرية التصورية هو الصورة الذهنية التى تستدعيها الكلمة عند السامع أو التى يفكر فيها المتكلم.  ويمكن توضيح ذلك بالخطط التالى:
الفكرة عند المتكلم              صورة لغوية              الفكرة عند السّامع
   (وهى الفكرة نفسها عند السّامع)

المثال:
- المتكلم: يفكر فى (الشجرة) ينطق بكلمة (شجرة).
- السامع: يسمع كلمة (شجرة) يفكر فى الشجرة يفهم معنى الشجرة.
ومثال آخر، إذا تلفظ المتكلم مثلا بلفظ (كتاب)، فإنّه بذلك يشير إلى فكرة فى ذهنه وفى ذهن السامع أيضا، لأنّ كلاّ منهما يملك تصورا عن الكتاب، وهو كما أسلفنا تصور واحد وهذا التصور الموحّد هو الذى أحدث عملية التواصل. إذْ تلاحظ هذه النظرية التركيز على الأفكار أو التصورات الموجودة فى عقول المتكلّمين والسامعين بقصد تحديد معنى الكلمة، أو ما يعيّنه المتكلّم بكلمة إستعملها فى مناسبة معيّنة، لأنّ المعنى عند أصحاب النظرية التصوريّة يمثل فى فكرة سواء إعتبرنا معنى الكلمة هو الصورة الذهنية أو إعتبرناه العلاقة بين الرمز والفكرة.[3]
وكانت هذه النظرية تقتضى بالنسبة لكلّ تعبير لغوي أو لكل معنى متميّز للتعبير اللغوى أن يملك فكرة، ولابدّ أن تكون هذه الفكرة بـــــــ:
1.   أن تكون حاضرة فى ذهن المتكلّم.
2.   لابدّ أن ينتج المتكلّم التعبير الذى يجعل الجمهور يدرك أنّ الفكرة المعيّنة موجودة فى عقله فى ذلك الوقت.
3.   التعبير يجب أن يستدعى نفس الفكرة فى عقل السامع.
ومن ثمّ هذا هو أحد المأخذ الأساسية على هذه النظرية من وجهة النظر السلوكية، لأنّ مادم المعنى هو الفكرة فكيف يتسنّى للمتكلّم أن يخاطب السامع وينقل المعنى إليه مع أنّ الأفكار تعد ملكا خاصا بالمتكلّم.
ويرد مؤيدو النظرية بأنّ الأفكار ترتبط بالتصور، ومثال هذه النظرية التصورية هى إذا قلنا "المنضدة" فكلّ من المتكلّم والسامع يملك التصور للمنضدة، إذ تكون هذه التصورية يجعل الإتصال بينهما ممكنًا. وقد كان رفض النظرية التصورية هو المنطلق لمعظم المناهج الحديثة التى ظهرت خلال هذا القرن، والتى اتجهت إلى جعل المعنى أكثر موضوعية وأكثر علمية من جهة أخرى.[4]
وأهل هذه النظرية متعدّدة، منهم:
أ‌)    نظرية الصورة الذهنية عند بعض الأصوليين مثل الجويني (Al-Juwaini) وفخر الدين الرازي (Al-Razi) الذي يقول بأن الألفاظ المفردة أي الكلمات المفردة لا تشير إلى الفكرة خارج اللغة بل المفروض منه معانى الفكرة فى ذهن المتكلّم نفسه. وقد إتّفق أهل اللغة الآخر بالحجّة المتساوية بما قبلها، إذ قال البيضاوى (Al-Baidhawi) وإبن زملكان (Ibnu Zamalkani) والقرطبى(Al-Qurthuby).وحجة الرازي: "إن من رأى شيئا من بعيد وظنه حجرا أطلق عليه حجرا، ولما قرُب إليه وظنه شجرا ثمّ أطلق عليه لفظ شجر، وعندما دنا أو قرب أكثر وظنه فرسا أطلق عليه لفظ فرس، ثم إذا تحقق منه وعرف أنه إنسان أطلق عليه لفظ إنسان". دل ذلك على أن بأنّ الكلمة يمكن أن تغيّر بنسبة إلى المعنى الموجود فى ذهن المتكلّم وليس بنسبة إلى الفكرة خارج اللغة.
ب‌) النظرية التصورية عند الغربيين أي نظرية الأفكار الذهنية عند الفيلسوف "جون لوك" (John Locke) الذي يرى أن المعاني لـها وجود مستقل فى الذهن فى شكل صور ذهنية ناتجة عن تشكيل حواسنا لـها فى الذهن. والنظرية التصورية عندRichards  و Ogden (ريتشاردز وأوغدن): وقد قدم هذان الفيلسوفان نظرية تحليلية لعناصر الدلالة في مثلثهما المشهور.[5]


‌ب.   المزايا والنقائص للنظرية التصوريّة

إنّ المزايا لـهذه النظرية هى:
1. هذه النظرية تقتضى بالنسبة لكلّ تعبير لغوي أو لكل معنى متميّز للتعبير اللغوى أن يملك الفكرة الحاضرة فى ذهن المتكلّم، إذ يجب أن يستدعى نفس الفكرة فى عقل السامع. لأنّ تركّزت هذه النظرية على تحديد معنى الكلمة من الأفكار أو التصوّرات الموجودة فى عقول المتكلّمين أو السامعين. المثال:
- المتكلم: يفكر فى ذهنه (الشجرة) ينطق بكلمة (شجرة).
- السامع: يسمع كلمة (شجرة) يفكر فى ذهنه عن الشجرة يفهم معنى الشجرة كما فهم المتكلّم.
2. هذه النظرية تعتبر اللغة كالوسيلة أو أداة لتوصيل الأفكار، إذ تكون اللغة معبّر لمعنى المعيّن كالعلامة على الفكرة المعيّنة. لأنّ الأفكار التى تدور فى أذهاننا تملك وجودا مستقلاً، ووظيفة مستقلة عن اللغة. المثال: "إن من رأى شيئا من بعيد وظنه حجرا أطلق عليه حجرا، ولما قرُب إليه وعرف أنه إنسان أطلق عليه لفظ إنسان". دل ذلك على أن بأنّ الكلمة يمكن أن تغيّر بنسبة إلى المعنى الموجود فى ذهن المتكلّم وليس بنسبة إلى الفكرة خارج اللغة.[6]

وكانت لـهذه اللنظرية التصوريّة عدة النقائص، إذْ النقصان كما يلى:
1.قد يكون المعنى للنظرية التصوريّة بصفة غامضة أو غير واضحة، لأنّ إختلف التصوّر لكلّ بشر لعدة الفكرة الموجودة فى ذهن كلّ بشر. المثال: حين نطق أحد بـــــ: "المثلّث" ففكر كلّ واحد بالفكرة المتفرّقة، لأنّ هناك من يفكّر بالمثلّث متساوى السّاقين أو المثلّث متساوى الأضلاع أو المثلّث قائم الزاوية وما أشبه ذلك. إذن إختلف المعنى التصوريّة الموجودة فى ذهن كلّ بشر ويمكن أن يتغيّر حين يهدّد إلى الكلمة.
2.إنّ التعبيرات المختلفة قد تستحقّ المعنى التصوريّة واحد فحسب. المثال: حين نظرنا إلى الطفل الذى يضرب الأرض بقدمه، ففكرنا بعِدة الفكرة، منها: "إنّه يتألّم بقدمه" أو "حاول الطفل لقتل النملة" أو "غضب الطفل" أو "إنّه يلعب. إذ المفروض منه، إن البداية للتعبيرات المختلفة تـُهدّد إلى الواقع الذى نظره البشر.
3.تستحقّ بعض الكلمة أو اللفظ على المعنى التصوريّة بصفة غامضة أو متناقض فى مستوى البشر ويختلف الناس فيها اختلافا كبيرا، منها: العُمْلَاقَةُ (raksasa). أو الكلمات المتّصفة بالعقلية، منها: الحبّ أو الصدق أو الشكّ أو الظنّ وما إلى ذلك. إذ لعدة الكلمات التالية لا يستحقّ كل البشر الحدود أو صورة فكريّة الواضحة فى ذهنهم.[7]


المبحث الثالث
الخاتمة

الخلاصة :
ترجع فكرة النظرية التصوريّة إلى اللغويّ أو الفيلسوف الإنجليزى أي "جون لوك" (John Locke)، وقد قال: "إستعمال الكلمات يجب أن يكون الإشارة الحساسة إلى الأفكار، والأفكار التى تمثلهـا تعد مغزاها المباشر الخاص". وتتخلص هذه النظرية على أنّ اللغة هى وسيلة أو أداة لتوصيل الأفكار ونقلها من شخص إلى آخر. وتقتضى النظرية التصوريّة أن يكون لكلّ معنى فكرة، وأنّ هذه الفكرة لابد أن تكون حاضرة فى ذهن المتكلّم، وأنّ المتكلّم عليه أن يعبّر عن تلك الفكرة بصورة لغوية (صوتية لفظية) يدرك بـها السامع هذه الفكرة كما هى فى ذهن المتكلّم، لكى تستدعى هذه الصورة اللغوية الفكرة نفسها عند السامع.
إنّ المزايا لـهذه النظرية هى: هذه النظرية تقتضى بالنسبة لكلّ تعبير لغوي أو لكل معنى متميّز للتعبير اللغوى أن يملك الفكرة الحاضرة فى ذهن المتكلّم، إذ يجب أن يستدعى نفس الفكرة فى عقل السامع. وهذه النظرية تعتبر اللغة كالوسيلة أو أداة لتوصيل الأفكار، إذ تكون اللغة معبّر لمعنى المعيّن كالعلامة على الفكرة المعيّنة. وأما النقائص لـهذه اللنظرية التصوريّة كما يلى: قد يكون المعنى للنظرية التصوريّة بصفة غامضة أو غير واضحة، لأنّ إختلف التصوّر لكلّ بشر لعدة الفكرة الموجودة فى ذهن كلّ بشر. وإنّ التعبيرات المختلفة قد تستحقّ المعنى التصوريّة واحد فحسب. وتستحقّ بعض الكلمة أو اللفظ على المعنى التصوريّة بصفة غامضة أو متناقض فى مستوى البشر.



المراجع

إبراهىم، صبر السيد. علم الدلالة إطار جديد. جامعة عين الشمس، 1995.
عوض، فريد حيدر. علم الدلالة (دراسة نظرية وتطبيقية. القاهرة: مكتبة الآداب، 2005.
سعد محمد، محمد. فى علم الدلالة. القاهرة: مكتبة زهراء الشرق، 2002.
مختار، أحمد عمر. علم الدلالة. القاهرة: عالم الكتب، 2006.
الرحمن، توفيق. Leksikologi Bahasa Arab. مالنج: UIN-Malang Press، 2008.


[1]  صبر إبراهيم السيد، علم الدلالة إطار جديد، (جامعة عين الشمس، 1995)، 46-51.
[2]  فريد عوض حيدر، علم الدلالة (دراسة نظرية وتطبيقية)، (القاهرة: مكتبة الآداب، 2005)، 157.
[3]  محمد سعد محمد، فى علم الدلالة، (القاهرة: مكتبة زهراء الشرق، 2002)، 32-33.
[4]  أحمد مختار عمر، علم الدلالة، (القاهرة: عالم الكتب، 2006)، 57-58.
[5]  توفيق الرحمن، Leksikologi Bahasa Arab، (مالنج: UIN-Malang Press، 2008)، 41.
[6]  أحمد مختار عمر، علم الدلالة، 57-58.
[7]  توفيق الرحمن، Leksikologi Bahasa Arab، 41-42.

تغير المعني



تغير المعني
( بحث مقدم لإكمال جزء من مطلبات مادة علم الدلالة )

    
إعداد الطالبة:                         تحت الإشراف:
رزق عليانا مصلحة    13720104            د. نور حسن عبد الباري
 
                                                                                        

باتو - مالانج
1434هـ/2013م

 

المبحث الأول
المقدمة

أنّ شأن اللغة هو شأن الكائن الحي والظواهر الاجتماعية، تخضع لناموس التطور والتغير، وذلك لأنّ العلائق المتواشجة بين اللغة والحياة الإنسانية قد جعلت من هذا التطور اللغوي أمرا لا مناص منه.[1]
والمعنى هو علاقة متبادلة بين الصيغة والفكرة، أو بين اللفظ والمدلول. ومن ثم، يحق بقول الدكتور محمد سعد محمد، في كتابه علم الدلالة: إنّ تغير الدلالة من عصر إلى عصر ليس إلاّ بالربط بين الفكرة القديمة والصيغة الجديدة، أو بالربط بين الصيغة القديمة والفكرة الجديدة.[2] وقد تساءل Cohen  في صدر كتابه The Diversity of meaning وقائلا: هل يتغير المعنى؟ فأجاب قائلا: إن نفس الكلمات – بسبب تطور اللغة خلال الزمن – تكتسب معنى آخر. وكان تغيير المعنى يمس جانب اللفظ بصورة أساسية، واننا حينما نعالج موضوع تغيير المعنى لاتعالجه منعزلا، وانما فى ضوء الألفاظ التى ترتبط بالمعانى المتغييرة وتعبر عنها.
ويشبه بعض اللغويين تغيير المعنى عن طريق اكتساب الكلمة لمعان جديدة بالشجرة تنبت فروعا جديدة. وهذه الفروع بدورها تنبت فروعا أصغار. والفروع الجديدة قد تخفى القديمة وتقضى عليها، ولكن لايحدث ذلك دائما. وهناك كثير من المعانى السابقة ازدهرت وانتشرت لقرون على الرغم من نمو المعانى الجديدة اللاحقة.[3]
 إذ التغير الدلالي Semantic Change  والمفروض هنا تغيّر المعنى، هو التغير التدريجي الذي يصيب دلالات الألفاظ بمرور الزمن، وتبدل الإنسانية، فينقلها من طَــــوْر إلى طور آخر.[4]
ومن خلال البيان الموجز، فقضايا الآن فى هذه المقالة القصيرة أرادت الكاتبة أن تقدم أسئلة البحث التآلية :
1.ما هى أسباب تغيير المعنى ؟
2.ما هى أشكال تغيير المعنى ؟
و الأهداف التى ترمى إليها الكاتبة من هذه المقالة كما يلي :
1. الكشف عن أسباب تغيير المعنى.
2. الكشف عن أشكال تغيير المعنى.


المبحث الثانى
تغيّر المعنى

أ‌.    أسباب تغير المعنى
رآي العالم اللغوي الفرنسي (أنطوان مييه) Antoine Meillet، وهو أول من حدد أسباب تغير المعنى، إذ هناك ثلاث أسباب رئيسيّة لتغيّر المعنى، أي: الأسباب اللغويّة والتّارخيّة والاجتماعيّة.[5] ويعقب أولمان على هذا بقوله: هذه الأنواع الثلاثة مجتمعة تستطيع فيما بينها أن توضح حالات كثيرة من تغير المعنى، ولكنها مع ذلك ليست جامعة بحال من الأحوال.[6]
ولعلّ أهم الأسباب التى تؤدّى إلى تغيّر المعنى هى كما يلي:
1.     ظهور الحاجة
كان التطور السريع الخطا الذي يشهد العالم في كل زمن في شتى مجالات الحياة تنشأ أفكارا جديدة، ولابد لكل فكرة من التعبير عنها بكلمة تناسبها، وهنا يلجأ أبناء اللغة إلى الألفاظ القديمة ذات الدلالات المندثرة فيحيون بعض ألفاظها ويطلقونه على مستحدثاتـهم متلمسين في هذا أدنى ملابسة.[7]
وقد يكون هذا التمثيل عن طريق الاقتراض (حينما يؤخذ الشيء من مصدر خارجي)، وقد يكون عن طريق صك لفظ جديد (Containing) على طريقة كلمات هذه اللغة، ويحدث الأخير كثيرا بالنسبة للمسميات التجارية التي توضع عادة دون نظر لأصلها أو اشتقاقها، وإنما بإعتبار سهولة تذكرها وحسن جاذبيتها.[8]
ويقولWaldron  في المخترعات والاكتشافات الحديثة، نحن نستعمل ألفظا قديمة لمعان حديثة ولذا يتغير المعنى". ويقول إبراهيم أنيس، هكذا وجدنا أنفسنا أمام ذلك الموج الزاخر من الألفاظ القديمة بالصورة الجديدة الدلالة. [9]
وبالإضافة إلى ذلك، كانت كلمة (السيارة) التي كانت في الماضي بمعنى القافلة، على ما ذكرنا سلفا، ولا شك أن هذه الكلمة بـهذا المعنى لـها علاقة بالسير، ثم أورد المحدثون إطلاق كلمة على تلك الآلة المعروفة، فاستعاروا لـها السيارة. لما لـها من وجه تعلق بأصل المعنى القديم، وهو عملية السير.
إذ أنه يجب الالتفات إلى أن الألفاظ التي تطلق على تلك المستحدثات والمستجدات أو الأفكار والمعاني الجديدة، إذا لم تكن مأخوذة من اللغة نفسها فلا يعد ذلك من باب التطور الدلالي، فعندما يمثل أهل اللغة أو المجتمع اللغوية لفكرة ما بكلمة عن طريق اقتراضها من لغة أخرى فإن ذلك لا يكون تطورا للمعنى، وذلك مثل كلمة: كمبيوتر- فيديو- أوتوبيس. [10]

2.     التطور الاجتماعي والثقافي
هناك التطورات الاجتماعية والحضارية تؤدي في غالب الأحيان إلى تطور اللغوي، فتموت ألفاظ وتحيا أخرى، وتتبدل معاني بعض الألفاظ، وقد يكون شكل الانتقال الدلالي من الدلالات الحسية إلى الدلالات التجريدية نتيجا لتطور العقل الانساني ورقيه، وقد يعيش المعنى القديم للكلمة جنبا إلى جنب مع المعنى الجديد، فلا يكون أحدهما أحق بالأصالة حينئذ من الآخر، وقد يموت المعنى القديم ويبقى المعنى الجديد وحده على الساحة اللغوية.[11]
ويظهر سبب تغير المعنى في عدة صور من ناحية تطور الاجتماعي والثقافي:
‌أ)         فقد يكون في شكل الانتقال من الدلالات الحسية إلى الدلالات التجريدية نتيجة لتطور العقل الانساني ورقيه. وانتقال الدلالة من المجال المحسوس إلى المجرد يتم عادة في صورة تدريجية، ثم قد تنزوي الدلالة المحسوسة وقد تندثر وقد تظل مستعملة جنبا بجنب مع الدلالة التجريدية لفترة تطول أو تقصر.
‌ب)   وقد يكون في شكل اتفاق مجموعة فرعية ذات ثقافة مختلفة على استخدام ألفاظ معينة في دلالات تحددها تتماشى مع الأشياء والتجارب والمفاهيم الملائمة لمهنها أوثقافتها، وقد يؤدي إلى نشوء لغة خاصة (jargon).
‌ج)     وقد يكون في شكل استمرار استخدام اللفظ ذي المدلول القديم واطلاقه على مدلول حديث للإحساس باستمرار الوظيفة رغم الاختلاف في الشكل.[12]
المثال ما انتقل من الدلالة الحسية المادية إلى الدلالة المعنوية التجريدية في اللغة العربية كلمة (البرزخ)، وهو في الأصل الحاجز المادي بين الشيئين، ولكنه استعمل بعد ذلك للوقت ما بين الموت والبعث.
وقد تستعمل مجموعة فرعية من الجماعة اللغوية ذات ثقافة معينة بعضا من ألفاظ اللغة في معان جديد تتفق بثقافتها، فينشأ عن ذلك لغة خاصة بـهم، وذلك مثلما حدث عند ظهور الإسلام من تحوّل ثقافي واجتماعي.[13]
وأما التمثيل لتلك الظاهرة بالألفاظ المتعلقة بالمستحدثات الحضارية، في نحو: (إذاعة – إخراج – تمثيل) التي اكتسبت معانيها الاصطلاحية الجديدة عن طريق استعمالـها في البيئات الفنية، فإن هذه الكلمات لا تدل في القديم على أكثر من أنـها مصادر للأفعال المعروفة، ولكنها في الاصطلاح الفني الجديد لـها دلالات أخرى.[14]

3.     المشاعر العاطفة والنفسية
تضم لغات البشر بعامة على اختلافها وتباين خصائصها مجموعة من الكلمات ذات الإيحاءات المكروهة، وكذلك الكلمات التي يستقبح ذكرها تصريحا، ولذلك تقوم الجماعة اللغوية عن قصد منها بإحداث مصطلحات جديدة عوضا عن مثل هذه الكلمات، وتحمل هذه المصطلحات البديلة في العادة معاني قديمة، ومن ثم فإن الألفاظ البديلة تحمل معنيين: أحدهما قديم، والآخر حديث.[15] ومثال ذلك:
‌أ)    التفاؤل والتشاؤم: وهما من الغرائز الإنسانية التي يشترك فيها جميع البشر، والأولى تعبر عن مشاعر ترتبط بالرجاء والآمال، والثانية تعبر عن مشاعر الخوف أو الكراهية والاشمئزاز.
‌ب)   قبح دلالة اللفظ: اتصاله بالقذارة أو بأمور يستحي المرء، أن يصرح بألفاظها.[16]
كما أن ظاهرة التشاؤم والتفاؤل تعد من الغرائز الانسانية التي تؤثر في العادات الكلامية للناس، وهي ذات تأثير في التغير الدلالي، فقد يتشاؤم المرء عن ذكر اللفظ السيّء فيعد عنه إلى لفظ أكثر تلطفا، من ذلك قولـهم: فلان بعافية، تجنبا لكلمة المرض، وتفاؤلا بالشفاء.[17]

4.     الانـحراف اللغوي
الانحراف اللغوي عند اللغويين يعني أن يستعمل المتكلم كلمة بمعنى غير معناها الصحيح، ثم تنتشر هذه الكلمة بـهذا المعنى الجديد والغريب عليها حتى تصير واقعا لغويا. وينبغي هنا أن نفرق بين استخدام الكلمة بمعنى غريب عن معناها الأول (الأصلي)، واستخدامها بمعنى قريب أو مشابه لمعناها الأول، ففي الحالة الأولى تغيّرت دلالة الألفاظ نتيجة للإنحراف اللغوي، والثانية دلالة الألفاظ نتيجة للمجاز.
والانحراف اللغوي له صور متعددة، أشهرها:
‌أ)    سوء الفهم، وينشأ عن غموض معنى الكلمة أو التباس معناها على الملتقي (السامع / القارئ) من أهل اللغة، فما يكون منه إلا أن يخمّن معنى يناسب مع سياق الكلام.
‌ب)   أخطاء الأطفال، وقد ينشأ الانحراف اللغوي من أخطاء الأطفال لأنـهم يعتمدون في تفريقهم بين الأشياء على الشكل الظاهر، فالباخرة العملاقة مثلا عندهم (مركب)، والنخلة عند بعضهم (شجرة)، والكنبة عندهم (سرير)، والحمامة (عصفور)، واللحية (شنب)، والنحلة (ذبابة) وهكذا.
‌ج)     عوامل تتعلق بوضوح الكلمة، فكلما كان مدلول الكلمة واضحا في الأذهان قل تعرضه للتغيير، وكلما كان مبهما غامضا مرنا كثر تقلبه وضعفت مقأومته لعوامل الانحراف. ويساعد على وضوح الكلمة عوامل كثيرة، أهمها أن تكون مرتبطة بفصيلة من الكلمات معروفة الأصل، ويعمل على إبـهامها عوامل كثيرة، أهمها ألا تكون لـها أسرة معروفة الأصل متدأولة الاستعمال.
‌د)  القياس الخاطئ، فمن عادة المرء أن يقيس ما لا يعرفه من معاني الكلمات على ما يعرفه منها، وعادة ما تكون العلاقة بين المقيس والمقيس عليه علاقة مشابـهة صوتية، فكلمة (عتيد) مثلا إذا سمعها المرء ولم يكن قد علّم بمعناها من قبل فإنه سيقيسها على لفظ (عتيق) فتكون عنده بمعنى الشيء القديم أو ما قارب ذلك، وربما قاسها على كلمة (عنيد)، ذلك لما بين عنيد وعتيق من جهة، وما بين عتيد وعنيد من جهة أخرى من تشابه صوتي.[18]

5.     الانتقال المـجازي
أن المجاز هي استعمال الكلمة بمعنى قريب من معناها الأصلي أو مشابه له، ثم ينتشر المعنى الجديد جنبا إلى جنب مع المعنى الأصلي، أو قد يتغلب عليه. فيبقى الجديد في الوقت الذي يندثر فيه المعنى الأول ويتوارى. وعادة ما يتم الانتقال المجازي بدون قصد، وبـهدف سد فجوة معجمية، ويميز الاستعمال المجازي من الحقيقي للكلمة عنصر النفي الموجود في كل مجاز حي، وذلك كقولنا: رجل الكرسيّ ليست رجلا، وعين الابرة ليست عينا، وبطن الجبل ليست بطنا.[19]
وعنصر النفى هذا هو الذى يمكن من توجيه أسئلة ملغزة نحو: ما الذى له لسان ولايمكن ان يتكلم ؟ وله عين ولايمكن ان يرى؟ وقد يحدث بمرور الوقت ان يشيع الاستعمال المجازى فيصبح للفظ معنيان، وقد يشيع المعنى المجازى أو الحقيقى.  

6.     الابتداع
ويعد الابتداع Innovation  أو الخلق Creativity   إلى المسمى نفسه من الأسباب الواعية لتغير المعنى وكثيرا ما يقوم به أحد صنفين من الناس:
1. الموهبون والماهرون في الكلام، كالشعراء والأدباء وحاجة الأديب إلى توضيح الدلالة أو تقوية أثرها في الذهن هي التي تحمله على الالتحاء إلى الابتداع.
2. المجامع اللغوية والـهيئات العلمية حين تحتاج إلى استخدام لفظ ما للتعبير عن فكرة أو مفهوم معين، وبـهذا تعطي الكلمة معنى جديدا يبدأ أول الأمر اصطلاحيا، ثم قد يخرج إلى دائرة المجتمع فيغزو اللغة المشتركة كذلك. مثال ذلك كلمة root  التي يختلف معناها بحسب مهنة المتكلم أ هو مزارع أم عالم رياضيات أم لغوي.[20] 
ب‌.  أشكال تغيير المعنى
حأول رجال القواعد وعلماء البلاغة جاهدين منذ أرسطو ان يخضوا تغييرات المعنى لشئ من التنظيم والتقعيد. غير أنـهم حصروا جهودهم لقرون طويلة فى تصنيف المجازات لأسباب جمالية  أو أسلوبية. وحين انتقال الأمر الى علماء اللغة حأولوا تنظيم البحث من عملية انتقال المعنى دون الاعتبار لمضمونتها الأدبية.
وقد قدم اللغويون خطتين للتقسيم، وهما الخطة المنطقية والخطة النفسية، وبمزج الخطتين ودمج تقسيماتـهما نخرج بأشكال الآتية لتغيير المعنى :

1.     توسيع المعنى
يقع توسيع المعنى ( (wideningأو امتداده (extension) عندما يحدث الانتقال من معنى خاص إلى معنى عام. ويعد هذا الشكل على قدم المسأواة فى الأهمية مع الشكل بتضييق المعنى، وإن كان عند الدكتور ابراهم أنيس،"أنّ تعميم الدلالات أقل شيوعا فى اللغات من تخصيصها، وأقل أثرا فى تطور الدلالات وتغييره.
وينبغى توسيع المعنى ان يصبح عدد ما تشير إليه الكلمة أكثر من السابق، أو يصبح مجال استعمالـها أوسع من قبل.
والأمثلة على ذلك كثيرة فى لغة الصغار أو الكبار، وفى كل اللغات :
‌أ)       فالطفل قد يطلق كلمة تفاحة على كل الأشياء المستديرة التى تشبهها فى شكل مثل البرتقالة و كرة التنس وأكرة الباب وثقالة الورق.
‌ب)   وكلمة salary التى تعنى المرتب من أى نوع كانت فى أصلها اللآتينى تعنى فقد مرتب الجندى من الملح. بل إذا تتبعنا اللفظ فى تاريخه القديم نجده كان يعنى حصة الجندى.
‌ج)     وكلمة picture كانت تطلق على اللوحة المرسومة، والآن امتدات لتشمل الصور الفوتوغرفية.
‌د)       كلمةdrinking-straw  تطلق الآن حتى على تلك المصنوعة من الورق أو من البلاستيك، وفى السلافية الجنوبية صار إسم الوردة يطلق على الزهرة عموم.
‌ه)      كثير من أسماء الأعلام قد تدخل اللغة ككلمات عادية فيتسع مدلولـها مثل كلمة baycoot، وهى فعل أخذ من إسم مالك الأرض الأيرلندى المستبد charle c. boycott (1832-1896). وقد أصبح إسم هذا الرجل يطلق فى اللغة الإنجليزية على المقاطعة أو رفض التعامل. وشبيه بـهذا إطلاق كلمة "سندوتش" على الشطيرة المعروفة تسمية باسم صاحبها، وتسمية كل المكانس الكهربائية "هوفر" وأخد فعل منها، وقد كانت فى الأصل اسما لنوع معين منها. وقد سمعت بعض المثقفين العرب يطلق كلمة "كوداك" على مطلق "كامرا".
ويمكن تفسير توسيع المعنى على نتيجة إسقاط بعض الملامح التمييزية للفط:
‌أ)         فالطفل الذى يستخدم كلمة "عام" مع كل رجل قد أسقط الملامح التمييزية للفط كا لقرابة واكتفى بملمحى الذكورة و البلوغ.
‌ب)        والذى يستخدم العبارة "صحيفة الـهواء" قد رعى فقط ملامح مثل نقل الأخبار والدورية. وأسقط ملح الطبع على ورق. ومثل هذا يقال عن "مسرح الـهواء" الذى لاحظ فقط ملمح التمثيل وأسقط "بناءالمسرح".[21]

2.   تضييق المعنى
ويعد تضييق المعنى (narrowing) وسماء إبراهيم أنيس تخصيص المعنى إتجاها عكس السابق. ويعنى ذلك تحويل الدلالة من المعنى الكلى إلى المعنى الجزئى أو تضييق مجالـها. وعرفه بعضهم بأنه تجديد معانى الكلمات وتقليلها.
والأمثلة على ذلك متعدّدة، منها:
‌أ)         فى أمريكا منذ عشر سنوات مثلا كانت المرأة تقول إنـها أخذت a pill وكان السامع الفضولى يتساءل : لأي غرض؟ لمنع الحمل؟ لعلاج الصداع؟ لعلاج المعدة؟ ثم مع شيوع استخدام وسيلة منع الحمل عن طريق الأقراصcontrol pill birth صارت كلمة pill ضيقة المعنى وأصبحت تعنى فقط "قرص منع الحمل". وعلى هذا فإنّه الكتاب صاروا يتحرجون من استعمال هذه الكلمة فى معنها العام وفضلوا عليها كلمة tablet.
‌ب)   كلمة poison كانت تعنى "الجرعة من أى سائل" ولكن الذى حدث هو أن الجرعات السامة دون غيرها هى التى الاستراعات الانتباه واستأثرت به لسبب أو لآخر. وبـهذا تحدد مدلول الكلمة وأصبح مقصورا على أشياء تقل فى عددها عما كانت تدل علي الكلمة فى الأصل إلى حد ملحوظ.
‌ج)     كلمة "حرامي" هى فى الحقيقة  نسبة ألى الحرم. ثم تخصصت دلالتها واستعملت بمعنى اللص فى القرن السابع الـهجرى فى بعض النصوص المروية.
‌د)       فى الـهجات الخطاب تخصصت كلمة "الطهارة" وأصبحت تعنى الختان، وتخصصت كلمة "الحريم" فبعد أن كانت تطلق على كل محرم لايمس أصبحت الآن يطلق على النساء. وكذلك كلمة العيش تخصصت فى مصر بالخبر وفى بعض البلاد العربية بالأرز.
‌ه)      ويمكن تفسير التخصيص أو التضييق بعكس ما فسر به توسيع المعنى. فقد كان التوسع نتيجة إسقاط لبعض الملامح الممييزية للفظ، إما التخصيص فنتيجة إضافة بعض الملامح التمييزية للفظ، فكلما زادت الملامح لشئ ما قل عدد أفراده.[22]


3.   نقل المعنى
يقال فى تحديد المراد بنقل المعنى "يكون الانتقال عندما يتعادل المعنيان أو إذا كان لايختلفان من جهة العموم والخصوص (كما فى حالة انتقال الكلمة من المحل إلى الحال أو من المسبب  إلى السبب أو من العلامة الدالة إلى الشئ المدلول عليه أو العكس) وانتقال المعنى يتضمن طرئق شتى (الاستعارة – إطلاق البعض على الكل- المجاز المرسل بوجه عام).
وعلى هذا يكون الفرق بين هذا النوع والنوعين السابقين كون المعنى القديم أوسع أو أضيق من المعنى الجديد فى النوعين السابقين وكونه مسأويا له فى النوع الحالى. ومعنى هذا أن جميع أنواع المجاز التى يتسأوى فيها طرفان تدخل تحت هذا النوع المسمى بنقل المعنى، أو تغيير مجال الاستعمال. ولكن ذهبarlotto  إلى أن الفرق يتمثل فى أن الأولين يتمان عادة بصورة قصدية لغرض أدبى غالبا.
وأمثلة نقل المعنى كثيرة منها التعبير عن أحد أعضاء البدن بإسم عضو آخر مثل استخدام كلمة صدر أو نحر (وفى بعض اللغات: معدة) بدلا من ثدي. ومنها تبادل الأسماء الدالة على عمليات الحواس. فكثيرا ماتستعمل الألفاظ الدالة على اللمس والسمع والإحساس والذوق بعضها مكان بعض. وبعض اللغات تعبر عن الأصم "بأعمى الأذنين".
ومن أمثلة نقل المعنى كذلك كلمة الإنجليزية bead. فالمعاجم الحديثة تعرفها بأنـها : قطعة صغيرة تشبه الكرة من الزجاج أو الخشب أو المعدن أو اى مادة أخرى مثقوبة لادخال الخيط فيها. وإذا تتبعنا اللفظ فى الإنجليزية القديمة ربما وجدنا الكلمة gebet التى لاتعنىbead  انما التضرع أو الصلاة. ما العلاقة بين المعنيين؟ كان بعض رجال الكنيسة الكاتولكية (ومازالوا) يعدون أدعيتهم وتسابيحهم على حبات منظومة فى خيط. ومن هنا نشأ التعبير : يعد حباته التى تعنى كلا من الحبات والدعوات.فى الإنجليزية الوسيطة أعطى لفظ (أو) المعنيين : دعاء- حبات عد الأدعية. وهذا هو الذى أدى الى التحول الدلالى.
ومن الكلمات التى تغييرت دلالاتـها بطربق النقل كلمة "الشنب" التى كانت تعنى فى القديم جمال الثغر وصفاء الأسنان وهى فى الاستعمال الحديث بمعنى الشارب. وكلمة "السفرة" التى كانت تعنى الطعام الذى يصنع للمسافر وهى فى الاستعمال الحديث : المائدة وما عليها من الطعام. وكان "طول اليد" كناية عن السخاء فأصبح يوصف به السارق.
 ومن أشكال انتقال المعنى أي بإسم "انحطاط المعنى" أو ابتذاله، وعكسه "رقى المعنى". وقد تتردد الكلمة بين الرقى والانحطاط فى سلم الاستعمال الاجتماعى، بل قد تصعد الكلمة الواحدة الى القمة، وتـهبط الى الحضيض فى وقت واحد.
 وأمثلة هذا وذلك مايأتى :
1.   كلمة luck قد تكون بمعنى الحظ الطيب أو السئ، ولكنها تميل الى ان تتخصص فى المعنى الأول، ويدل على ذلك الصفة lucky .
2.   كلمة الفرنسيةmerechal  التى ترجع الى أصل جرمانى معناه خادم الاصطبل أو السياس، تحمل كذلك معنى، المشير أو البيطار.
3.   الكلمة  constableكانت تعنى "كونت الاصطبلات"، وهى شخصية سامية كانت توجد فى البلاط الملكى فى أوربا فى العصور الوسطى. هذه الكلمة ماتزال تحتفظ بمكانتهم الراقية فى مثل chief constable (رئيس الشرطة) ولكنها فقدت هذه المكانة فى constable police (كونستابل شرطة).
4.    اللقب "أفندى" المأخوذ عن التركية كان له خلال القرن التاسع عشر مركز هام ومكان مرموق، ثم انحط قدره على توالى الأيام، وصار الآن ذا قدر تافه. ومثل هذا حدث لكلمة "حاجب" التى كانت تعنى فى الدولة الأندلسية "رئيس الوزراء، ثم آلت الى المعنى التافه الذى تدل عليه الآنذ.
5.   كلمة "رسول" كان لـها معنى الشخص الذى يرسل فى مهمة ما، ثم صار لها هذه الدلالة السامية التى تألفها الآن. وقريب منها كلمة  knightالتى كانت تعبر فى فروسية القرون الوسطى عن المركز  مرموق، وقد انحدرت الى اللغات الأوربية من معنى أصلى هو "ولد خادم".

4.    المبالغة
اعتبر  المبالغة من أشكال تغيير المعنى وعدها مسؤولة عن تلك الشعارات المذهبية والاصطلاحات الخادعة التى تستغلها أجهزة الدعاية أ سوأ استغلال حتى انـها لاتلبث ان تؤدى الى عكس المقصود منها، كما فى نحو قولك : هو سعيد بشكل مخيف، ورائع بكل بساطة. ومثل هذه التعبيرات الصارخة سرعان ما تفقد جدتـها وقوة التعبير فيها، حتى تصبح مبتذلة بالية، ثم تخالفها وتحل محلها تعبيرات أخرى.[23]



المبحث الثالث
الخاتمة

الخلاصة :
التغير الدلالي Semantic Change  أو تغيّر المعنى هو التغير التدريجي الذي يصيب دلالات الألفاظ بمرور الزمن وتبدل الإنسانية، فينقلها من طَــــوْر إلى طور آخر. وهناك كثير من المعانى السابقة ازدهرت وانتشرت لقرون على الرغم من نمو المعانى الجديدة اللآحقة. ومن بين المشكلات المعنى الأساسي هما :أسباب تغيير المعنى وأشكاله.
  وأما أسباب تغيير المعنى، فتنقسم إلى ستة أنواع كما يلي: ظهور الحاجة والتطور الاجتماعى والثقافى والمشاعر العاطفية والنفسية والانحرف اللغوى والانتقال المجازى والإبداع. وأما أشكال تغيير المعنى، فتنقسيم إلى أربعة أشكال كما يلي: توسيع المعنى وتضييق المعنى ونقل المعنى والمبالغة.

قائمة المراجع

سعد محمد، محمد. 2002. في علم الدلالة. القاهرة – جمهورية مصر العربية: مكتبة زهراء الشرق، الطبعة الأولى.
عوض حيدر، فريد. 2005.  علم الدلالة (دراسة نظرية وتطبيقية). مكتبة الآداب: الطبعة الأولى.
محمد حسن حبل، عبد الكريم. 1997. في علم الدلالة (دراسة تطبيقية في شرح الأنباري للمفضليات). دار المعرفة الجامعية.   
مختار عمر، أحمد. 1998. علم الدلالة. القاهرة: علم الكتب الجامعة، الطبعة الخامسة.


[1] عبد الكريم محمد حسن حبل، في علم الدلالة (دراسة تطبيقية في شرح الأنباري للمفضليات)دار المعرفة الجامعية، 1997)، 33.   
[2]   محمد سعد محمد، في علم الدلالة، (القاهرة – جمهورية مصر العربية: مكتبة زهراء الشرق، الطبعة الأولى، 2002) 83.
[3]   أحمد مختار عمر، علم الدلالة، (القاهرة: علم الكتب الجامعة، الطبعة الخامسة، 1998)، 235.
[4]   عبد الكريم محمد حسن حبل، في علم الدلالة، 33.
[5]   محمد سعد محمد، في علم الدلالة، 84.     
[6]   أحمد مختار عمر، علم الدلالة، 237.
[7]   محمد سعد محمد، في علم الدلالة، 84.
[8]   أحمد مختار عمر، علم الدلالة، 237.
[9]   نفس المرجع. 238
[10]  محمد سعد محمد، في علم الدلالة، 85.
[11]   نفس المرجع. 90
[12]   أحمد مختار عمر، علم الدلالة، 238-239.
[13]   محمد سعد محمد، في علم الدلالة، 90.
[14]   نفس المرجع. 91
[15]   نفس المرجع. 97
[16]  فريد عوض حيدر، علم الدلالة (دراسة نظرية وتطبيقية)، (مكتبة الآداب: الطبعة الأولى، 2005)، 92-93.
[17]  محمد سعد محمد، في علم الدلالة، 98.
[18]   محمد سعد محمد، في علم الدلالة، نفس المرجع ص 86-88.
[19]   محمد سعد محمد، في علم الدلالة، 94.
[20]   أحمد مختار عمر، علم الدلالة، 241-242.
[21]  نفس المرجع. 243-245
[22]  نفس المرجع. 245-246
[23]  نفس المرجع. 247-250